اشتراط الولاية للإجابة الدائمة للدعاء
وهنا مسألة: وهي: هل معنى قوله: ( ولئن سألني لأعطينه، ولئن أستعاذني لأعيذنه ) أن من كان ولياً لله عز وجل فلا بد أن يستجاب له دعاءه كما طلب، وأن يكون حالاً؟والجواب: أن ليس ذلك شرطاً؛ لحكم يعملها الله سبحانه وتعالى، وقد أشار الحافظ رحمه الله إلى هذا إشارة لطيفة خفيفة، وقال: قد تقدم في أول كتاب الدعوات: أن الحال لا يخرج عن ثلاثة أمور: إما أن يستجيب الله لوليه كما طلب ولو ناجزاً، وهذا فضل من الله.الأمر الثاني: أن يدخره له في الآخرة، والأمر الثالث: أن يدفع عنه من البلاء بقدر ذلك.وهذا كما جاء في الحديث الذي رواه الأمام أحمد في هذا الشأن، فيكون الولي مستجاب الدعوة، ويحبه الله تبارك وتعالى، ويكرمه، ويرضيه، ولا يخيبه أبداً، لكن ليس شرط ذلك أن يعطيه كما ظن أو كما دعا؛ لأنه تبارك وتعالى أعلم بمصلحة العبد المؤمن من نفسه، فمهما كان العبد من عباد الله الصالحين المؤمنين الأتقياء، ويرى المصلحة له أو لدينه في شيء، ويظن أن هذا أنفع له في دينه ودنياه، لكن الله تعالى أعلم بما يصلح ولا شك، وهو تعالى لمحبته لهذا الولي العبد هو أحرص على ما ينفعه من حرصه لنفسه، لهذا فالله عز وجل لا يستجيب له فيما طلب، ولكنه لا يضيعه، وإنما يعطيه أمراً آخراً، أو يصرف عنه شراً عظيماً لم يكن يعلم أنه واقع، والمهم أنه غير خائب.وكيف يخيب الولي إذا دعا والله تعالى لا يخيب أحداً دعاه أصلاً؟ فإذا تحققت شروط الدعاء في أحد فإنه لا يخيب أبداً ولو لم يكن من الأولياء الصالحين، فكيف بالولي الصالح؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع عبده إليه يديه بالدعاء أن يردهما صفراً ) يعني: خاليتين، فذلك لا يمكن أبداً.ولو تأمل العبد ذلك لوجده من المعاني اللائقة بالله تبارك وتعالى حقاً، وهو بها أولى؛ فإن الكريم من أهل الدنيا -وهم كلهم فقراء إلى الله- لا يمكن أن يردك مطلقاً أبداً، فكيف بالله عز وجل الذي لا تنفد خزائنه سبحانه وتعالى، فمقتضى ذلك أن يدعو الله عز وجل دائماً، وأن يكثر من هذا، (( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ))[غافر:60]. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.